Explore
Also Available in:

إسقاطات مركاتور

بقلم:
ترجمة: هنري أندراوس شاهين

مركاتور، الخلقيّ [المؤمن بخلق الكون في ستّة أيّام بحسب إعلان الكتاب المُقدّس] الذي أحدثت خريطته ثورة في الملاحة البحريّة.

Mercator-2

لعدد قليل من الرجال ذلك التأثير المهم على أي شيء مثل الذي كان لجيرهارد (أو جيرت) مركاتور على الملاحة البحريّة. وُلد في عام 1512 في روبلموند (بالقرب من أنتويرب). توفّي والده في عام 1527 وأصبح غيسبرت عمّه الوصي عليه، وأرسله إلى مدرسة في سيرتوخيمبوس1 في هولندا. كانت أُخويّة الحياة المُشتركة تُديرها، "وقد تمّ تصنيفها في مصاف أرقى المدارس الثانويّة في القارّة".2 عَمدتْ الأخويّة إلى تهذيب الإيمان الشخصي المُحب والقوي،2 وتخصصت أيضاً في نسخ النصوص المُقدّسة. وهكذا تعلّم جيرهارد فن الخط وخاصةً الخطط الإيطالي الذي إستخدمه بكثرة في حواشي خرائطه.

تغيير إسمه إلى اللاتينيّة

إختار الباحثون الشباب في ذلك العصر أسماء لاتينيّة لأنفسهم، فاختار جيرهارد كريمر لنفسه جيراردس مركاتور روبلموندانوس،3 وبهذا الاسم التحق بجامعة لوفان وحصل على درجة الماجستير في الآداب في العلوم الإنسانيّة والفلسفة في عام 1532. وكانت الدراسات تستند على تعاليم أرسطو: فعلى سبيل المثال، جميع المادّة تكوّنت من التراب والهواء والنار والمادّة: وبأن ليس هناك قصد إلهي في شؤون الإنسان والطبيعة، وبأنه لم تكن للكون بداية أبداً ولن ينتهي أبداً. شكّل هذا الأمر أزمة إيمانيّة لمركاتور، ليس كثيراً فيما يتعلق بإيمانه بالكتاب المُقدّس لكن فيما تَعلّمَه.

تراسل مع مجموعة من الرهبان الفرنسيسكان ومن ثم زارهم في أنتويرب وميشلان، مما عزّز قناعتهُ المسيحيّة القويّة. كتب في وقتٍ لاحق: "عندما رأيت أن رواية موسى بخصوص خلق العالم لا تتلاءم بدرجة كافية مع في كثير من النواحي مع أرسطو وباقي الفلاسفة، بدأتُ أشك في حقيقة جميع الفلاسفة وبدأت أبحث أسرار الطبيعة."4 بالتأكيد هذا نهجٌ جدير بالثناء في هذا اليوم لهؤلاء الذين ينهلون بلا إكتراث فلسفة دارون المُعادية لله والمُناهضة للعِلم.

Mercators-original-1569-map
خريطة مركاتور الأصلية عام 1569، حيث لا تزال أمريكا الشمالية والجنوبية بحاجة إلى مسح بحري. وتضمنت مربعات النص الخمسة عشر إهداء ومديح وتهنئة للقراء، وتعليقات عن مختلف المواقع، وإشعار بحقوق التأليف والنشر، وما إلى ذلك، وكلها بخط مركاتور الإيطالي.

وأيضاً رحلات مركاتور منحتهُ إهتماماً عميقاً بالجغرافية كوسيلة لشرح العالم الذي خلقه الله، وهكذا "أصبح رسم الخرائط … ليس فقط المهنة التي وعدته بالدخل الكافي بل دعوة أيضاً."5

زواجه ورسم الخرائط

كان في ذلك الوقت في الرابعة والعشرين من عمره، وكان مركاتور على دراية جيدة بالجغرافيا وعِلم الفلك ورسم الخرائط وعمليّات المسح، وأصبح أيضاً نقّاشاً عالي المهارة وخطّاطاً وصانع للآلات العلميّة. وفي عام 1536 تزوّج من بربارا شيليكنز. وُلد لهما ثلاثة أولاد وثلاث بنات. وأصبح جميع الأولاد من رسّامي الخرائط، وقد أشرف الأصغر رمولد على نشر أطلس مركاتور العالمي في عام 1595 بعد موت والده.

إعتقاله بتهمة الهرطقة

في عام 1544 إتهمت محاكم التفتيش الكاثوليكيّة 43 من سُكّان لوفان ’بالهرطقة‘. وأُتهم مركاتور ’باللوثريّة‘ وبكتابته ’رسائل مشبوهة‘ إلى الرهبان في ميشلان.6 كان في ذلك الوقت في روبلموند بشكلٍ مؤقت باعتباره الوصيّ على مُمتلكات عمّهِ غيسبرت الذي توفّي مؤخّراً. ومع ذلك أُعْتُبِر هارباً وتمّ إعتقاله وسجنه في قلعة روبلموند.

وعلى الرغم من تفتيشٍ أجرته سلطات ميشلان فلم يتم العثور على رسائل التجريم. قدّم أصدقاء مركاتور في جامعة لوفان التماساً قويّاً لإطلاق سراحه، الأمر الذي حدث أخيراً بعد أن تحمّل عدّة شهور من الحبس.



Mercator-map
على خريطة مركاتور المذكورة أعلاه، فخط الإتجاه الثابت بين سياتل ولندن يعبر كل خط من خطوط الطول بوجهة بوصلة ثابتة مقدارها 87° درجة. لكن طريق الدائرة الكبيرة الجوّي من سياتل يتغير باستمرار على طول المسار حتى الوصول إلى لندن

الإسقاط المركاتوري

في عام 1569 نشر مركاتور خارطة العالم التي يشتهر بها الأن، والتي أعطاها عنوان (باللغة اللاتينيّة): "التمثيل الجديد والأكثر اكتمالا للكرة الأرضيّة المُعدّل ليكون مُلائماً للإستخدام في الملاحة". وبدلاً من تصوير الأرض كدائرة فأن خارطة مركاتور الجديدة كانت مُستطيلة 2.02م x 1.24م، وفيها إمتدّ الجزءان الشمالي والجنوبي على عُرض الخريطة، ولهذا كانت جميع خطوط الطول عموديّة ومُتوازية.

أمّا كُتل اليابسة القريبة من أعلى وأسفل هذه الخريطة فهي مُشوهة. وتنشأ المُشكلة من مُحاولة تمثيل سطح الكرة الأرضيّة ثلاثي الأبعاد على سطح مستوي ثنائي الأبعاد. وبغض النظر عن كيفيّة القيام بذلك فأن بعض ملامح العالم سيحصل فيها تشويه، فمثلاً على الخرائط الحديثة تبدو غرينلاند بنفس حجم أفريقيا، لكن أفريقيا في الواقع أكبر بمقدار 14 مرّة.

كانت الفائدة الكبيرة لهذه الخريطة للبحّارة هي أن المسار بين أي مكانين يتقاطع مع جميع خطوط الطول بنفس الزاوية، وهكذا يستطيع البحّارة رسم مسارهم على هذه الخريطة كخط مُستقيم (يُسمّى خط الإتجاه الثابت)، بالتالي وببساطة يُبْحرون في إتجاه واحد ثابت على طول هذا الخط للوصول في نهاية المطاف إلى وجهتهم.

globe
مسار "الدائرة الكبيرة" بين أي مكانين هو أقصر مسافة، أي أنه "كما يطير الغراب".

ولكن خط الإتجاه الثابت ليس المسافة الأقصر بين مكانين على سطح الأرض فوق الكرة الأرضيّة، الذي هو مسار ’دائرة كبيرة‘7. فهو خط مستقيم (بمعنى ’كما يُحلّق الغراب‘) على كرة العالم، لكنه مُنحنى على خريطة مركاتور. وعلى أي مسار دائرة كبيرة (بخلاف المسار الذي على طول خط الإستواء أو الشمال أو الجنوب)، فاتجاه البوصلة يتغيّر باستمرار مع تقدم الرحلة. ولهذا فملاحيي السفن المُبحرين على طريق دائري كبير، وجب عليهم إتخاذ قرارات دقيقة يوميّاً عن موقعهم ليغيّروا مسارهم بالبوصلة حسب ذلك.

يُمكن لعدم الدقّة أن يكون أمراً كارثيّاً وغالباً ما كان كذلك. ولا يزال الإسقاط المركاتوري مُستخدماً في جميع الرسوم البيانيّة المنشورة في هذا اليوم.

أطلس مركاتور

في عام 1578 نشر مركاتور طبعات مُحدّثة لخرائط العالم السبعة والعشرين لبطليموس من القرن الثاني، كمُقدمة لأطلس العالم الخاص به، والذي أطلق عليه "تأملات كوزموغرافيّة حول خلق العالم وهيئة ذلك الذي تمّ خلقه". نُشر هذا الأطلس على ثلاثة دُفعات: الأولى في عام 1585 وفيها 51 خريطة، والثانية في عام 1589 وفيها 23 خريطة إضافيّة؛ وتمّ نشر الأخيرة وفيها كُل هذه بالإضافة إلى المزيد من الخرائط من قبل إبنه رمولد في عام 1595 بعد عام من وفات مركاتور البالغ من العُمر 82 عاماً بسبب السكتة الدماغيّة.

الطالب في الكتاب المُقدّس

كان مركاتور مسيحي تقيّ ودارس للكتاب المُقدّس وخلقيّ مُقنع. وفي ستينيات القرن السادس عشر أصدر "توافق الأناجيل" الذي أعاد نشره مُكبّراً في عام 1592، وكتب أيضاً تفسيراً للإصحاحات الأولى من الرسالة إلى رومية. وضمّن أطلسه أطروحة مكوّنة من 36000 كلمة8 عن الإصحاح الأوّل لسفر التكوين. وفيه أكّد بأن الثالوث كان "الآب والابن والروح القُدس"، مُعارضاً بذلك الأفلاطونيين الذين قال عنهم "يفترضون أن العقل أو الفكر هو صانع العالم"، فكتب يقول: " لذلك دعونا نتقدم بالشكر إلى الإله الوحيد، الذي هو البداية والخالق ومُعطي الحياة والحافظ لنهاية عمل العالم، الذي تعطّف ليكشف لنا النسيج الحقيقي للعالم، بدايته ومصدر جميع الفلسفة وكل الحقيقة، من خلال موسى والأنبياء الآخرين".9,10

الـمـراجع وعـودة الى النـص

  1. The city’s official name is a contraction of the Dutch des Hertogen bosch—‘the Duke’s forest’, after Henry I, Duke of Brabant. In speech, Dutch people usually abbreviate it further to “Den Bosch” (pronounced ‘demBOS’). عودة إلى النص.
  2. As quoted by Karrow, R.W., Commentary on Gerardus Mercator, Atlas sive cosmographicæ meditationes de fabrica mundi et fabricati fi gura, on which much of this article is based, see mail.nysoclib.org/Mercator_Atlas/MCRATS.pdf, pp. 3–4. (Accessed March 17, 2015.) عودة إلى النص.
  3. I.e., Gerard Mercator of Rupelmonde. Kremer/Kramer/Krämer is of Germanic origin meaning ‘merchant’, which in Latin is mercator. عودة إلى النص.
  4. Mercator, G., Evangelicæ Historiæ: Quadripartita Monas Sive Harmonia Quatuor Evangelistarum (“Harmonization of the Gospels”), 1592, dedicatory letter. Quoted in Jean Van Raemdonck, Gerard Mercator: sa vie et ses oeuvres (1869), p. 25, footnote 2. عودة إلى النص.
  5. Ref. 2, p. 6. عودة إلى النص.
  6. Ref. 2, p. 10. عودة إلى النص.
  7. A great circle is a circle on the earth’s surface the plane of which passes through the centre of the earth. Aircraft pilots save fuel and time by flying great circle routes, unless impeded by high mountains, volcanic eruptions, bad weather, etc. عودة إلى النص.
  8. Titled “On the Creation and Fabric of the World”. عودة إلى النص.
  9. Ref. 2, pp. 47, 41, 42. عودة إلى النص.
  10. Mercator was, of course, limited to the narrow and speculative nature of the science of his day, e.g. Newton’s concept of gravity had not yet emerged, and he held some positions that CMI rejects. عودة إلى النص.