Explore
Also Available in:

مخاطر الأُميّة العلمية

بقلم:
قام بالترجمة: reasonofhope.com) Jack Kazanjyan)

Casa Rosada, Wikipediapope-Franciscus
وفقاً لبابا فرانسيس، إن الله كان محدوداً في الخلق الذي عَمِلَهُ.

هذا المقال يستمدّ محتواه من المواد التي سبق ونُشِرَت في مجلّة الخَلْق.1

عندما خطَبَ البابا فرانسيس في الأكاديمية البابوية للعلوم، جادَلَ بأن الأفكار مثل ”الإنفجار العظيم“ والتطور تتوافق بشكلٍ تامٍّ مع الإيمان المسيحيّ.2 لقد صرَّحَ وبشكلٍ مثيرٍ للدهشة [بالتالي]

”عندما نقرأ عن الخلق قي سفر التكوين، فإننا نخاطر بتخيّل أنَّ الله كان ساحراً يمتلك عصاً سحرية قادرة على فِعلِ كلِّ شيء. إلا أن الأمر ليس كذلك.“

أن يقوم شخص ما وهو يدَّعي بأنّه يعلِّم العقيدة المسيحيّة بالإدلاء بتصريح كهذا [يشبه] تسوُّل الإيمان. إن أيوب قد خاطب الربّ قائلاً: ” قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. “ (أيوب ٤٢: ٢). ووفقاً للمزمور ١٣٥: ٦، ” كُلَّ مَا شَاءَ الرَّبُّ صَنَعَ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ، فِي الْبِحَارِ وَفِي كُلِّ اللُّجَجِ. “. ويسوع نفسه قد أعلن بأنّ: ” عِنْدَ اللهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ “ (متى ١٩: ٢٦).

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكتاب المُقدَّس يتعارض بشكل واضح مع هذه الروايات الطبيعية للأصول. حيث أنه من خلال نظرية الإنفجار العظيم في علم الكونيات (كوزمولوجي) نجد أنَّ النجوم قد نشأت قبل الأرض، لكن في سفر التكوين ١، نجد أن الله خلق الأرض قبل النجوم. وفي نظرية الإنفجار الكبير نجد أن الأرض تشكّلت من الغبار [الكوني] والغاز، في حين يقول بولس الرسول ” وَالأَرْضَ بِكَلِمَةِ اللهِ قَائِمَةً مِنَ الْمَاءِ وَبِالْمَاء“ (٢ بطرس ٣: ٥). كما وتؤكّد نظرية التطور أن الناس قد ارتقوا من مخلوقات شبيهة بالقِرَدَة. في حين أنه ووفقاً لسفر التكوين، ” جَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ “ (تكوين ٢: ٧).

إعلان عام ١٢٧٧

على ما يبدو، ان البابا فرانسيس غير مدرك لتاريخ طائفته. ففي عام ١٢٧٧،قام كل من إيتيان تيمبيير أسقف باريس، وروبرت كيلواردبي رئيس أساقفة كانتربري، بإدانة رسمية لقائمة تضم ٢١٩ مسألة [وفرضية] على أنها مخالفة للإيمان المسيحي. وقد ركزت هذه اللائحة على تعاليم الفلاسفة اليونان، وعلى الحاجة إلى دحض فكرة كون الله محدوداً بأي حال من الأحوال في سلطته المطلقة لفعل ما يشاء.

وفقاً لأفكار أفلاطون، فإن الخالق ”the demiurge“ عندما قام بتشكيل العالم، لم يمتلك الحرية في صنعه كما أراد، ولكن كان ملتزماً بمطابقة قواعد ومبادئ معينة. بالإضافة إلى ذلك، إنه قد اضطر إلى استخدام مواد لم يخلقها هو نفسه، والتي كانت تمانع محاولاته لتشكيلها. وبشكل مماثل، رأى تلميذه أرسطو بأن الخالق له سلطان محدود بأن يفرض ترتيبه [نظامه] المُفَضَّل على العالم الطبيعي. كان جالينيوس كاتباً يونانياً ذو تأثير وقد رفض رواية سفر التكوين لأحداث الخلق، إذ أنَّها تُعارض فهمه القائل بأن الخالق سيكون محدوداً في عمله وذلك بسبب طبيعة المادّة.3

من الجدير بالملاحظة، أن بعض المؤرّخين للعلوم كانوا قد جادلوا بأن رفض هذه الأفكار اليونانية [الإغريقيّة]، واستبدالها بالتعاليم المسيحيّة عن الله الكليّ القُدرة، هي التي مهَّدَت الطريق للعلوم الحديثة.7،6،5،4 في التعليم الكتابي، لم يكن الله مقيّداً في عَمَلِهِ الذي عَمِلَهُ في الخَلْقْ، لكنه كان قد صنع الكون وفق مشيئته، سواءَ كان ذلك في طبيعة [الكون] أو مبادئ تسييره التي قد تم تحديدها بالكامل وفقاً لاختياره. هذا يشير إلى أن المنهج العلمي اليوناني الذي كان قد سيطر على المثقفين لقرون، إنما كان خاطئاً.

كان أفلاطون قد سعى إلى استنباط الحقائق المتعلّقة بالكون بناءً على المنطق الخاصّ به. وعلى سبيل المثال، فإن الكواكب يجب أن تتحرك في مدارات دائرية، ذلك أن هذا فقط سيكون مناسباً ومُشرِّفاً للآلهة. في المقابل من ذلك، نجد أن يوهانس كيبلر كان قد اكتشف بأنَّ الكواكب تتحرّك في مدارات اهليلجيّة وذلك من خلال المعاينة. برر كيبلر منطقية جدليته التي تقول إن ”الله الخالق، بما أنَّه عقل [عاقِل]، ويفعل ما يريد ـ فهو لا يُمنَع … من مراعاة الأمور التي هي إما غير مادّية أو مبينة على التصوُّر.“8 وبشكل مشابه، جادل اسحق نيوتن - وهو الآخر كان مؤمناً بالخلق التوراتي - بأن ”الله قادر … على تغيير قوانين الطبيعة وصنع عوالم متعددة الأنواع في أجزاء متعددة من الكون.“9 بالنسبة إلى أمثال نيوتن وكيبلر، فإنه فقط من خلال دراسة الظواهر الفيزيائية، يُمكن التَعرُّف على طبيعة الكون الحقيقيّة – وهذا الفهم يؤيّده العلم المعاصر. ومن المفارقات إذاً أن يقوم البابا وفي أثناء خطابه في منتدى علميّ، بتأييد وجهة نظر أعاقت التقدّم العلمي لقرون عديدة.

الله في الطبيعة؟

أسهَبَ البابا فرانسيس قائلاً:

”أريد فقط أن أؤكّد على أن الله والمسيح يسيران معنا وأنهما موجودان في الطبيعة… لقد خلق الله كائنات وسمح لها بالتطور وفقاً للقوانين الداخلية التي وضعها لكلٍّ منها، لعلها تتطوَّر وتصل إلى كمالها.“

وهذا خطأ آخر يجب أن يتم تصحيحه قبل أن يتم تطبيق الفرامل وكبح حركة التفكير العلمي الصحيح.

وفقاً لتعليم الفلاسفة اليونان، فإن القوانين التي تحكم الأشياء والكائنات الحية في نشأتها من قوة شبه إلهية موجودة في داخلها. فالكواكب تتبع المسارات الدائرية لأن طبيعتها تعطيها ميلاً للقيام بذلك؛ والحجارة تسقط على الأرض لأن هذا هو ميلها الطبيعي. خلال فترة العصور الوسطى تم تبنّي هذا الأسلوب من التفكير من قِبَل بعض اللاهوتيّين الكاثوليك. حيث اعتقدوا أن الأجسام تمتلك خصائص شبه روحيّة، والتي يُشار إليها في بعض الأحيان على أنها ”صفات [أو ميّزات] غامضة. والتي يُفتَرَض أنها تنتُج عن ”التعاطف“ و ”التعارض“.10 التعاطف على سبيل المثال، كان يُعتَقَد بأنَّه يفسِّر جذب الحديد إلى المغناطيس. في حين أن عقيدة ”horror vacui“ أي الرعب من الفراغ تفسّر سبب ارتفاع المياه في براميل مضخات ”الشفط“ أو ”الفراغ“. ومن المفترض أن هذا يحدث نتيجةً لأن الطبيعة لديها كراهية للفضاءات الخالية.12،11

إن أفكار ”الله في الطبيعة“ و ”القوانين الذاتية [الداخلية]“ تم رفضها بشكل قاطع من قِبَلْ مؤسسي العلوم الحديثة الذين جادلوا ومن خلال الكتاب المقدس بأن القوانين الطبيعية تعمل بشكل خارج عن الأشياء أو المخلوقات والتي تم فرضها من قِبَلْ الله الذي هو مُنفَصِل تماماً عن خليقته [أي أنَّه لا يخضع لذات القوانين]. فالله هو الذي جمع المياه إلى مكانٍ واحد (تكوين ١: ٩)، ” وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلاَ تَتَعَدَّى الْمِيَاهُ تُخْمَهُ “ (أمثال ٨: ٢٩). هو ” جَعَلَ لِلْمَطَرِ فَرِيضَةً، وَمَذْهَبًا لِلصَّوَاعِقِ “ (أيوب ٢٨: ٢٦). ” عَمِلَ اللهُ النُّورَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ: النُّورَ الأَكْبَرَ لِحُكْمِ النَّهَارِ، وَالنُّورَ الأَصْغَرَ لِحُكْمِ اللَّيْلِ“ (تكوين ١: ١٦)، هو ” أَمَرَ الصُّبْحَ… عَرَّفَ الْفَجْرَ مَوْضِعَهُ “ (أيوب ٣٨: ١٢). وقال أنَّه خلق النجوم ” لتَكُونَ لآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. “ (تكوين ١: ١٤)، ويعرف ”سُنَنَ السَّمَاوَاتِ“و ”تَسَلُّطَهَا عَلَى الأَرْضِ“ (أيوب ٣٨: ٣٣). وهو دائماً ” حَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ “ (عبرانيّين ١: ٣).

القوانين الطبيعية التي فَرَضَها الله

نجد في العهد القديم أنه في الغالب ما يتم التعبير عن أوامر الله إلى الطبيعة باستخدام لُغة قانونية. على سبيل المثال، يتم استخدام الكلمة العبرية (חֹק وتُقرأ خُوكْ) في كل من الأمثال ٨: ٢٩ و أيوب ٢٨: ٢٦. وهي بصيغة فعل وتعني ”نَقَشَ“ أو ”شَرَّعَ“ وغالباً ما تمَّ استخدامها في سياق فرض الله للقوانين الأخلاقية والطقسية [الشعائرية] - في كل من الآيتين المذكورتين - نجد أن ترجمة الفولغاتا اللاتينية العائدة إلى القرن الرابع [قد استَخدَمَت] كلمة lex التي تعني ”قانون“. ووفقاً لفيلسوف العلم إدغار زيلسيل، إن الآيات المشابهة لهذه ”قد تم اقتباسها عبر القرون مراراً وتكراراً، وبدون أدنى شكّ أنها قد ساهمت في تشكل المفاهيم المتعلّقة بنشوء القوانين الطبيعية“13 على سبيل المثال، نجد أن غاليليو غاليلي قد كتب أن الطبيعة ”لن تتعدى أبداً حدود القوانين التي فُرِضَت عليها“، كونها ”المُنَفِّذ الحَذِر لأوامر الله“، وقد جادل دفاعاً عن تقيُّد الطبيعة الصارم بأوامر الله مُستَدِلاً بعدد من الآيات أيوب ٢٨: ٢٦، أيوب ٣٨: ٨-١١ و مزمور ١٠٤: ٩. 14

مُصَوِّراً من الكتاب المقدس، كتب نيوتن:

”إن هذا النظام الخلّاب من الشمس والكواكب والمذنّبات، يستطيع فقط أن يُدار [يَنبَثِق] من خلال مَشورة وسيادة كائن ذكيّ وبالغ القدرة. … هذا الكيان يحكم كلّ الأشياء، ليس كَنَفْسٍ من العالم، بل كربٍّ على الجميع. وبسبب سُلطانه فإنه من الواجب أن يُدعى الرب الإله أو الضابط الكُلّ“15

في مقدّمة أعظم أعماله ”the Principia“ كتب عن المفكرين المُعاصرين: بعد أن تَخلُّصوا من ”الصفات الغامضة عملوا على اخضاع الظواهر الطبيعية لقوانين الرياضايات“. بالنسبة له، لم تكن المُحيطات مُنجذبة باتجاه القمر كنتيجة لـ ”التعاطف“ شبه الروحي، إنما بسبب قانون الجاذبية الذي لا يُراعي الشخصية والذي فَرَضَهُ الله على العالم الطبيعي.

السخرية في الأمر ـ أن البابا فرانسيس يدعو العلماء إلى مذاهب مثل ”الله في الطبيعة“ و ”القوانين الذاتية [الباطنية]“ التي يجب أن يتم رفضها لدفع عجلة ازدهار العلم الحقيقي.

الجهل غير ضروري

لقد لاحظت من خلال تجربتي مع العديد من قادة الكنائس أنهم يخافون من العلم، وهذا يُفَسِّر جزئياً لماذا – كما البابا فرانسيس – يستسلمون بسهولة إلى ”الخُبراء“ الذين يؤكدون لهم بأن أفكاراً مثل الإنفجار الكوني العظيم ونظرية التطور إنما هي حقائق. ثم بعد ذلك يقومون بقفزات لاهوتية في محاولة لإقحام هذه الروايات ”العلمية“ للأصول في الكتاب المُقَدَّس – على الرغم من أنهم في بعض الحالات يعترفون بوجود حالة من الصراع بينهما. لكن ليس من حاجة إلى ذلك. فمعظم الناس المُتَعلِّمين قادرين على فهم المبادئ الأساسية التي تمكنهم من رؤية اللاهوت المُتَصَدِّع والزائف الذي يتم تقديمه. من خلال صلواتكم ودعمكم، يمكننا الإستمرار في لعب دورنا في مساعدة الناس على القيام بذلك.

مراجع

  1. Statham, D.R., Christian theology and the rise of Newtonian science: imposed law and the divine will, J. Creation 32(2):103–109, 2018. Return to text. عودة إلى النص.
  2. خطاب قداسة البابا فرانسيس بمناسبة تدشين تمثال على شرف قداسة البابا بنديكتوس الخامس عشر، الجلسة العامة للأكاديمية البابوية للعلوم، ٢٧ أكتوبر ٢٠١٤. عودة إلى النص.
  3. Hooykass, R., Religion and the Rise of Modern Science, Scottish Academic Press, Edinburgh, 1977. First printed 1972. عودة إلى النص.
  4. Stark, R., For the Glory of God: How monotheism led to reformations, science, witch-hunts and the end of slavery, Princeton University Press, USA, ch. 2, 2003. عودة إلى النص.
  5. Ref. 3, ch. 1. عودة إلى النص.
  6. Jaki, S.L., Science and Creation, Scottish Academic Press, Edinburgh, 1986. Return to text. عودة إلى النص.
  7. Foster, M.B., The Christian doctrine of creation and the rise of modern natural science, Mind 43(172):446–468, October 1934. عودة إلى النص.
  8. Harrison, P., The development of the concept of laws of nature; in Watts, F., ed., Creation: Law and probability, Ashgate, UK, 2008. عودة إلى النص.
  9. Newton, I., Opticks: A treatise on the reflections, refractions inflections and colours of light, Dover Publications, New York, pp. 403–404, 1952. عودة إلى النص.
  10. Zilsel, E., The Social Origins of Modern Science, Springer Science, p. 176, 2003; first published c. 1940. عودة إلى النص.
  11. Zilsel, ref. 10, p. 177. عودة إلى النص.
  12. Simonyi, K., A Cultural History of Physics, CRC Press, USA, pp. 233–234, English Translation 2012. عودة إلى النص.
  13. Zilsel, E., The Genesis of the concept of physical law, Philosophical Review 51(3):245–279, 1942. عودة إلى النص.
  14. Steinle, F., The amalgamation of a concept—laws of nature in the new sciences, in Weinert, F., ed., Laws of Nature: Essays on the philosophical, scientific and historical dimensions, Walter de Greyter, New York, pp. 316–368, 1995. عودة إلى النص.
  15. Newton, I., The Mathematical Principles of Natural Philosophy, Book III, 1687; translated by Motte, A., Daniel Adee, New York, p. 504, 1846; archive.org. عودة إلى النص.